درس الفلسفة: التاريخ – الثانية باكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية
التاریخ
:تقدیم
:یقول عبد الله العروي
قد یتساءل المؤرخ عن صناعتھ فیعني بالتاریخ تحقیق وسرد ما جرى فعلا في الماضي، ویتساءل »
الفیلسوف عن ھدف الأحداث فیعني بالتاریخ مجموع القوانین التي تشیر إلى مقصد خفي یتحقق
تدریجیا أو جدلیا، ویتساءل الفیلسوف أیضا عن ماھیة الإنسان، عما یمیزه عن سائر الكائنات، فیقول
.« إنھ التاریخ
نلاحظ أن التاریخ ھو مجال اھتمام كل من المؤرخ والفیلسوف؛ فالأول یحقق الوثائق التاریخیة -
من أجل معرفة ما جرى في الماضي، أما الثاني فھو یعود إلى الأحداث التاریخیة من أجل
.الكشف عن منطقھا ومعرفة القوانین المتحكمة فیھا، وتحدید الغایة التي تسعى إلیھا
یربط الفیلسوف بین التاریخ وماھیة الإنسان ویعتبر أن الإنسان كائنا تاریخیا؛ فإذا كانت -
الحیوانات غیر العاقلة تعیش أنماط عیش ثابتة تتحكم فیھا قوانین غریزیة في الحاضر، فإن
الإنسان على العكس من ذلك یطور أنماط عیشھ ویستفید من خبرات الماضي، لأن لھ ذاكرة
.وھویة في الماضي التاریخي
إذا كان المؤرخ یرید « سرد ما جرى فعلا في الماضي » ، فھل بإمكانھ ذلك ؟ ھل یمكن -
للمؤرخ أن یقدم لنا أحداث الماضي بدقة وموضوعیة أم أن دراسة الماضي التاریخي تتم انطلاقا
من ذاتیة المؤرخ وھواجسھ في الحاضر ؟
إذا كان الفیلسوف یھتم بالكشف عن القوانین التي تحكم الأحداث التاریخیة وكذا الغایات التي -
تسعى نحوھا، فھذا یدفعنا إلى التساؤل: ھل ھناك منطق تخضع لھ الأحداث التاریخیة ؟ ھل ھناك
غایة نھائیة للصیرورة التاریخیة ؟ وھل التاریخ یتقدم بشكل حتمي وتراكمي ومتصل أم أن
ھناك قفزات وطفرات وصدف وأحداث عرضیة في التاریخ ؟
وحینما نقول إن الإنسان كائن تاریخي، یتبادر إلى ذھننا أن الإنسان ھو الذي یحدث الأفعال -
التاریخیة. لكن ما حقیقة أن الإنسان ھو محدث الأحداث التاریخیة ؟ ھل ھو الذي یصنع الأحداث
التاریخیة أن ھناك عوامل موضوعیة ھي التي تتحكم في الصیرورة التاریخیة ؟
.المحور الأول: المعرفة التاریخیة
:طرح الإشكال ·
:یقول ریمون آرون
سیكون الموضوع في ... إن الماضي حاضر على شكل آثار ما زلنا إلى حد الآن نراه ونفھم معناه »
لكنھا أحداث لا توجد الیوم ولا یمكنھا أن .ھذه الحالة مركبا من أحداث الوعي التي كانت موجودة آنذاك
توجد أبدا. فما نرید معرفتھ لم یعد لھ وجود ... إن موضوع التاریخ واقع لم یعد لھ وجود، وھذا الواقع
.« ھو واقع إنساني. فتصرفات المحاربین كانت ذات دلالة، والحرب لیست واقعة مادیة
إن دراسة التاریخ إذن لا تتعلق فقط بدراسة الأحداث والآثار المادیة، بل بدراسة أحداث الوعي -
أیضا؛ أي الدلالات والأفكار التي كان یحملھا الفاعلون التاریخیون. وھذا ما یجعل دراسة
التاریخ دراسة معقدة وصعبة، لأنھا تتعلق بالظاھرة الإنسانیة في بعدھا التاریخي. ثم إن
موضوع ھذه الدراسة ھو موضوع لم یعد لھ وجود في الحاضر، ھناك فقط آثار ووثائق تدل
علیھ، فھل یمكن إذن معرفة الماضي التاریخي انطلاقا من الوثائق والآثار المادیة ؟ وھل یمكن
للمؤرخ أن یتناول المعرفة التاریخیة بشكل موضوعي أم أن ذاتیتھ تحضر أثناء ھذه الدراسة ؟
ولماذا نرید معرفة الماضي ؟ ھل من أجل معرفتھ كماضي أم من أجل الاستفادة منھ في الحاضر
؟ كیف إذن یمكن معرفة التاریخ ؟ بأیة وسائل ومناھج ؟
.أطروحة ابن خلدون: المنھج النقدي في دراسة التاریخ -1
یمیز ابن خلدون بین ظاھر التاریخ وباطنھ، ویعتبر أن التاریخ في ظاھره ھو مجرد سرد وحكي وإخبار
عن وقائع حدثت أو یعتقد أنھا قد حدثت في الماضي. أما باطن التاریخ فھو الكشف عن أسباب حدوث
.تلك الوقائع بعد أن تخضع للتمحیص والتحقیق والنقد العقلي
ویرى ابن خلدون أن ھناك غایة أساسیة من دراسة التاریخ، ھي تلك التي تتمثل في أخذ العبرة
الأخلاقیة والفائدة السیاسیة من الأحداث والأحوال التي عاشتھا الأمم السابقة. ولھذا فالھدف من دراسة
التاریخ ھو الاستفادة منھ في الحاضر، ولتحقیق ھذا المراد یدعو ابن خلدون إلى ضرورة أخذ الحیطة
والحذر مما یروى عن الماضي من أحداث؛ إذ الكثیر منھا قد یكون وھمیا وخاطئا. ولن یكون ھذا الحذر
ممكنا إلا بإخضاع الأخبار المنقولة إلى أصول وقواعد مستمدة مما درج على تداولھ في مجال السیاسة
.ومما یمیز طبیعة الاجتماع البشري
ھكذا یوجھ ابن خلدون نقده إلى مجموعة من المؤرخین الذین كانوا لا یتحرون الدقة في نقل الأحداث،
مما یجعلھم یقعون الأوھام والمنزلقات ویقدمون أخبارا لا تاریخیة ولا واقعیة، ھي من قبیل الحكایات
الخیالیة المبالغ فیھا. من ھنا وجب حسب ابن خلدون تأسیس المعرفة التاریخیة على منھج نقدي یعتمد
على تحقیق الأخبار وإخضاعھا إلى قواعد ومبادئ واقعیة، مستمدة من أصول العادة وقواعد
السیاسة وطبیعة العمران البشري، ویعتمد فیھا على قیاس الغائب على الشاھد وسبرھا بمعیار الحكمة
.والعقل
ولكن السؤال الذي یطرح نفسھ ھنا ھو: ھل یكفي المنھج النقدي من تحقیق معرفة دقیقة وموضوعیة
بالماضي التاریخي ؟ ألا تتطلب المعرفة التاریخیة نوعا من الذاتیة والتعاطف لسبر أعماق الوقائع وفھم
أحداث الوعي ولیس فقط الأحداث الماضیة ؟
.أطروحة ھنري مارو: أھمیة منھج التعاطف في بناء المعرفة التاریخیة -2
إذا كان المنھج النقدي یوفر الشروط الموضوعیة للمعرفة التاریخیة، فإن ھنري مارو یرى بأنھ یلزم
أیضا إضافة ما سماه بالشروط الذاتیة لفھم الماضي بشكل أفضل. ھكذا یكون على المؤرخ أن یمارس
نوعا من التعاطف، ویربط نوعا من الصداقة مع الموضوع التاریخي الذي یدرسھ حتى یتمكن من النفوذ
.إلى أحداث الوعي، أي تلك الأفكار والمشاعر التي صاحبت الفاعلین التاریخیین وھم ینجزون أحداثھم
ھكذا یرى ھنري مارو أنھ یمكن إحداث نوع من التضافر والتكامل بین المنھج النقدي ومنھج التعاطف
في بناء معرفة حقیقیة بالوقائع التاریخیة. غیر أن ھذا الجمع بینھما لیس بالأمر السھل، ولذلك یجب
تجنب التقصیر والإجحاف الذي قد یطال المعرفة التاریخیة من جراء تطبیق المنھج النقدي الصارم، كما
یجب تجنب الغفلة والتواطئ الذي قد یأتي للمعرفة التاریخیة من المنھج الذي الذاتیة والتعاطف. ولذلك
یبدو أن الرھان ھو تحقیق نوع من الذاتیة الموضوعیة التي تناسب طبیعة المعرفة التاریخیة، وھي
.المحور الثاني: التاریخ وفكرة التقدم .ذاتیة لا یمكن أن تتحقق إلا بالمزاوجة بین المنھج النقدي ومنھج التعاطف
:طرح الإشكال ·
إن المتأمل في التاریخ یلاحظ ولا شك التقدم الذي حققھ الإنسان في شتى المجالات والمیادین، لكن ما
یمكن التساؤل حولھ ھنا ھو: ھل یتم التقدم بنفس الدرجة والمستوى في كل المجالات ؟ فھل تقدم الغرب
مثلا في العلوم یوازیھ تقدم في الأخلاق ؟ ثم ما الذي یتحكم في سیرورة الأحداث التاریخیة ؟ ھل تخضع
لمنطق ما ؟ ھل یمكن تعقل السیرورة التاریخیة ؟ وھل یسیر التاریخ بشكل متصل ومتراكم أم على شكل
طفرات وقطائع وقفزات ؟ وھل لھ غایة نھائیة یسعى إلیھا؟
.التاریخ یتقدم بشكل حتمي ومتصل نحو غایة نھائیة -1
یعتبر ھیجل من الفلاسفة الذین یعبرون في فلسفتھم عن فكرة التقدم كما أفرزتھا العقلانیة الأنواریة،
.التي آمنت بقدرة العقل البشري على تحقیق الأفضل والتحكم في الظواھر الطبیعیة والتاریخیة
ھكذا فالتاریخ الحقیقي وفق الفلسفة الھیجیلیة ھو ذلك التاریخ الذي یھیمن على الوقائع ویصوغھا
ضمن منطقھا الداخلي، من خلال تفاعل الشخصیات التاریخیة نفسھا مع المقصد الخفي الذي یبلوره
المنطق الباطني للتاریخ ؛ حیث یقوم التاریخ وفقا لھذه الفلسفة بتفسیر الوقائع واستخراج القوانین
والتنبؤات لما سیحدث. فالعقل كما یراه ھیجل ھو جوھر التاریخ، ومن ثم فھذا العقل ھو الذي یتحكم في
أحداث العالم عن طریق التاریخ نفسھ، وبالتالي فكل حدث من أحداث التاریخ إنما جرى وفقا لمقتضیات
.العقل الذي یموضع الأحداث العالمیة لتخدم قصدا معینا أو ھدفا محددا، وذلك من تحت مظلة التاریخ
إن فلسفة التاریخ الھیجیلیة تعتبر العقل نفسھ ھو من یسیر التاریخ، بحیث یرتب أحداثھ على نحو
یجعلھا سائرة نحو ھدف أو غایة بعیدة المدى. على ھذا النحو، فالتاریخ لدى ھیجل ھو عبارة عن
منظومة تطور ونمو خاضعة لمنطق باطني كامن في الشخصیات التاریخیة التي لم تكن وفق ھذه
الفلسفة إلا أدوات لتحقیق ھدف التاریخ السائر بشكل حتمي نحو تحقیق غایة نھائیة تتمثل في تجسید
.لا یتقدم التاریخ بشكل متصل ولیس لھ غایة نھائیة -2. حریة العقل المطلقة
: Carr.H.Eأ- أطروحة إدوارد كار
ینتقد المؤرخ البریطاني المعاصر إدوارد ھالیت كار فكرة التقدم التي عبر عنھا فلاسفة أمثال ھیجل
وماركس، حیث رفض إمكانیة الحدیث عن نھایة أو غایة معینة تسعى نحوھا الأحداث التاریخیة،
واعتبر أن ھذا النوع من التصور ھو شبیھ بالفكر اللاھوتي الذي یفترض بدایة ونھایة للتاریخ. كما
ینتقد ھذا المؤرخ فكرة التقدم الذي یسیر بشكل متصل ومتراكم، ویرى على العكس من ذلك أن
السیرورة التاریخیة غالبا ما تعرف انقطاعات وانحرافات وتوقفات، كما أن درجة التقدم لیست واحدة
في جمیع القطاعات والمجالات بل ھناك اختلافات وتفاوتات فیما بینھا على ھذا المستوى بالذات. ولذلك
فبذل الحدیث مع ھیجل عن معقولیة كلیة للتاریخ، یمكن الحدیث عن عدة تواریخ ممكنة لكل منھا منطق
خاص یتناسب مع خصوصیتھا الداخلیة من جھة ومع طبیعة المجتمعات التي تحدث داخلھا من جھة
.أخرى
: Strauss.l.Cب- أطروحة كلود لیفي ستراوس
لا یرفض كلود لیفي ستراوس فكرة التقدم في حد ذاتھا بل إنھ یثمن ما حققتھ الإنسانیة من إنجازات
باھرة في جمیع المجالات، لكنھ ینتقد فكرة أن التقدم یسیر بشكل منظم ومتصل، ویقول على العكس من
ذلك إن ھذا التقدم یتم على شكل قفزات وطفرات ویتحرك في اتجاھات مختلفة. فلیس ھناك إذن انتظام
وتساوي من حیث درجات التقدم في كل المجالات؛ فیمكن لدرجة التقدم أن تكون أعلى في المجال العلمي
عنھا في المجال الأخلاقي أو السیاسي ، كما أن التقدم الحاصل في الدول الغربیة لیس ھو نفسھ
.الموجود في باقي الدول الإفریقیة أو الآسیویة
بالإضافة إلى ھذا فزوایا النظر إلى مفھوم التقدم نفسھ تختلف وتتعدد؛ وھذا یعني أن ما تراه جھة ما أو
مجتمع ما على أنھ تقدم انطلاقا من مرجعیتھا الثقافیة والاجتماعیة قد یكون بالنسبة لجھة أخرى انتكاسا
و تخلفا، فمن الصعب وجود معاییر كونیة نقیس من خلالھا درجة التقدم لاسیما حینما یتعلق الأمر
.المحور الثالث: دور الإنسان في التاریخ .بالعلوم والمجالات التي تطغى فیھا أحكام القیمة وتتغلب فیھا المنظورات الذاتیة
:طرح الإشكال ·
إذا افترضنا أن الإنسان لم یوجد على وجھ الأرض، ھل كان من الممكن أن تظھر الأحداث والإنجازات
التي عرفھا التاریخ الإنساني ؟ بالطبع أن الجواب بالنفي. ویترتب عن ذلك أن الإنسان إذن ھو الذي
صنع التاریخ ؟ لكن ما حقیقة أن الإنسان ھو صانع تاریخھ ؟ ھل كل الناس یصنعون التاریخ أم فئات
منھم فقط ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، ھل یمكن القول إن الفئات الأخرى یصنعھا التاریخ أو أنھا تخضع
لمحددات وعوامل لا دخل لھا في صنعھا ؟ فما درجة نسبة تدخل الإنسان في تحریك عجلة التاریخ نحو
الأمام ؟ وھل وعي الإنسان وإرادتھ الحرة ھي التي تصنع الأحداث التاریخیة أم أن ھذه الأخیرة ھي نتاج
لعوامل موضوعیة تتجاوز الإرادة الإنسانیة نفسھا؟ وھل یمكن الحدیث عن حتمیة تخضع لھا الصیرورة
التاریخیة أم أن ھذه الصیرورة نتاج لحریة الفاعل التاریخي ؟
:القول بالحتمیة التاریخیة -1
.أ- أطروحة ھیجل: التاریخ یخضع لحتمیة صادرة عن عقل كوني
یرى ھیجل أن تاریخ العالم ھو مجرد تمظھر لسعي الروح نحو معرفة ذاتھا. ھكذا یتمظھر العقل أو
ولذلك فالصیرورة التاریخیة تخضع لحتمیة .الروح الكوني عبر التاریخ متجھا نحو تحقیق غایات معینة
صادرة عن ھذه الروح التي تسیطر على جمیع مظاھر الحیاة البشریة. وفي ھذا الإطار یرى ھیجل أن
أبطال التاریخ وعظمائھ ھم مجرد أدوات تحقق الروح من خلالھم أھدافھا الخاصة؛ فلكل حقبة تاریخیة
روحھا الخاصة یسمیھا ھیجل بروح العصر، وھي التي تسیطر على الأفراد وتستعملھم لصالحھا الخاص
.ومن أجل تحقیق إنجازات حتمیة لا بد أن تظھر في زمانھا الخاص ولو ضدا على الإرادات الفردیة
إن العقل الكوني یسكن داخل الشخصیات التاریخیة ویتواجد داخل لا وعیھا، وھو من خلال ھذا التواجد
یستخدمھا لتحقیق غایاتھ. وما إن ینتھي دور تلك الشخصیات وكفاحھا من أجل تحقیق الغایات الكونیة
.ب- أطروحة ماركس: التاریخ یخضع لحتمیة مادیة .للعقل حتى تختفي من مسرح التاریخ دون أن تحقق سعادتھا الخاصة
لقد استبدل ماركس الحتمیة المثالیة الھیجیلیة بحتمیة مادیة تنتقد الأولى وتقلبھا. ھكذا رفض ماركس
أن یكون ھناك عقل كوني أو روح مطلق ھو الذي یتحكم في الصیرورة التاریخیة ویوجھ أحداثھا، ورأى
على العكس من ذلك أن الممارسة المادیة المتمثلة في نمط الإنتاج السائد ھي التي تتحكم في وعي
.الناس وتوجھ الأحداث التاریخیة
من ھذا المنطلق اعتبر ماركس أن كل أشكال الوعي المختلفة، سواء كانت دینیة أو سیاسیة أو فنیة أو
غیرھا، ھي نتاج لأسالیب العیش المادیة والاجتماعیة التي تتجلى في أنماط من علاقات الإنتاج السائدة
بین الطبقات الاجتماعیة. فالصراع الطبقي حول المصالح الاقتصادیة یلعب دورا كبیرا في تحریك عجلة
الأساسي لھا ھي العوامل المادیة والاقتصادیة التي تتجاوز الإرادات الخاصة للأفراد وتشرط وعیھم. التاریخ، كما أن سیر الأحداث التاریخیة لا یتوقف على وعي الأفراد وإراداتھم الحرة بل إن المحرك
وما دام الوعي مشروطا بعوامل خارجیة، وما دام أن الوعي ھو الذي یفترض أنھ یجعل الإنسان صانعا
لتاریخھ، فإن ما یصنع التاریخ في ھذه الحالة لیس ھو وعي الأفراد بل عوامل مادیة واجتماعیة تتجاوز
:القول بحریة الإنسان في صنع التاریخ -2. حریاتھم
لقد تعرضت الماركسیة لتأویلات وقراءات مختلفة، من بینھا القراءة الخاصة التي قدمھا الفیلسوف
الفرنسي الوجودي جان بول سارتر الذي بین أن الفلسفة الماركسیة ھي فلسفة تدعو إلى التحرر
.والانعتاق ، ورغبة الطبقة العاملة في السیطرة على وسائل الإنتاج وتوجیھ أحداث التاریخ لصالحھا
وقد اعتبر سارتر أنھ إذا كان الناس یتحركون ضمن شروط واقعیة سابقة على وجودھم، فإنھم مع ذلك
ھم الذین یصنعون تاریخھم ولا یمكن اعتبارھم مجرد أدوات فاقدة للوعي. وإذا كانت فئة من الناس في
ظرفیة زمنیة معینة لا تصنع التاریخ، فإن فئة أخرى تصنعھ. ومن ھنا یظل الإنسان ھو الفاعل الحقیقي
للأحداث التاریخیة، بالرغم من أنھ یقع أحیانا ضحیة الاستغلال الناتج عن الھیمنة الاقتصادیة
.والاجتماعیة
إن التاریخ حسب سارتر ھو نتاج للفاعلیة البشریة التي تحقق من خلالھ مشروعھا الخاص، لكن ھذا
التاریخ مع ذلك سیظل غریبا عن الإنسان ما لم یتحرر من الاستغلال والھیمنة ویستفید من كفاحھ
ومجھوده الذي سیمكنھ من صنع التاریخ وتملكھ، وإعطائھ معنى یتماشى مع طموحاتھ وغایاتھ
.الخاصة
الدرس بصيغة اخرى
تعليقات
إرسال تعليق